_
 
حسن المقصد في عمل المولد
0405/2004

حسن المقصد في عمل المولد

قال العلامة السيوطي(1) : في رسالته( حسن المقصد في عمل المولد) ما نصه: وقد سئل شيخ الاسلام حافظ العصر أبو الفضل بن حجر عن عمل المولد, فأجاب بما نصه : أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها, فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة, وإلا فلا, قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ماثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجي موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى, فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من اسداء نعمة أو دفع نقمة, ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة, والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة, وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم؟ وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى عليه السلام في يوم عاشوراء, ومن لم يلاحظ ذلك لايبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر, بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه مافيه, فهذا ما يتعلق بأصل عمله.

وأما مايعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ماتقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وانشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة القلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة, وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ماكان ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لابأس بإلحاقه به, وما كان حراما أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى إ هـ.

فتوى الحافظ ابن حجر بجواز عمل المولد

وقول ابن حجر: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح, معناه: البدعة اللغوية, اي مستحدث غير خارج عن قواعد الشريعة بدليل قوله بعده: كان بدعة حسنة وإلا فلا, فان تقسيم البدعة الى حسنة وسيئة عند المحققين انما يكون فيها, واما البدعة الشرعية فلا تقسيم فيها ولاتكون الا سيئة, واقتران عمل المولد بما يخالف الشرع الشريف يصيره منهيا عنه لغيره لا لذاته بدليل كلام ابن حجر الأخير.

(1) جلال الدين عبد الرحمن السيوطي توفي سنة 910 هـ (1505م) في القاهرة

 

أول من احدث عمل المولد

قال السيوطي: وأول من أحدث عمل المولد صاحب اربل الملك المظفر أبو سعيد(1) كوكبري بن زين الدين على أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد, وكان له آثار حسنة, وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون.

قال ابن كثير في تاريخه: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله تعالى وأكرم مثواه, قال وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب بن دحية مجلدا في المولد النبوي سماه: ( التنوير في مولد البشير النذير), فأجازه على ذلك بألف دينار, وقد طالت مدته في الملك الى أن مات وهو محاصر للأفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة, محمود السيرة والسريرة.

وقال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم, وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار, وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار, وكان يفتك من الفرنج في كل سنة أسارى بمائتي ألف دينار, وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار, هذا كله سوى صدقات السر, وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي أن قميصه كان من كرباس غليظ لايساوي خمسة دراهم قالت فعاتبته في ذلك, فقال لبسي ثوبا بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوبا مثمنا وأدع الفقير والمسكين إ هـ,

يسوء التيميين جدا اجتماع الناس لقراءة قصة

الأسراء والمعراج والمولد النبوي الشريف

يسوء التيميين جدا اجتماع الناس لسماع قراءة قصة الاسراء والمعراج ليلة أو يوم سبع وعشرين من رجب, ويرون ذلك منكرا عظيما يجب عليهم ازالته فيكبسون, من علموا أنه عمل ذلك ككبسهم محل الدعارة, وحجتهم في كونه منكرا عظيما كحجتهم في عمل مولده الشريف عدم عمل السلف له, وعدم فعل السلف له ليس بدليل على كونه مذموما فضلا عن كونه منكرا عظيما, والحقيقة في كونه عندهم منكرا عظيما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه الله تعالى به وشرفه من مخاطبته تعالى له بلا واسطة وما رآه من الآيات الكبرى والخوارق العظيمة, وتعظيمه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بما ذكر بدعة تنافي التوحيد = في زعمهم =, وتستقيم حجتهم = على زعمهم هذا = لو نهى

(1) المظفر ابو سعيد كوكربي بن زين الدين علي استشهد سنة 630 هـ(1232م)بعكا

 

الله في كتابه العزيز عن تعظيم نبيه صلى الله عليه وسلم بما ذكر, أو نهى هو صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في سنته أمته عن تعظيمه بما ذكر, ولم ينه عنه فيهما, فحجتهم داحضة, وزعمهم فاسد, وقد خص علماء الاسلام قصة الاسراء والمعراج بتآليف كثيرة, كما خصوا قصة مولده بذلك وبعد هذا فما يقول العقلاء في هؤلاء الذين يكرهون سماع سيرة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وشمائله الكريمة في المولد وفي المعراج أشد كراهة وينكلون بمن يقرؤها ويسمعها؟ أهم محبون له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أم كارهون, وقد قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين)؟, فهل قصة مولده والعروج به الى الملأ الأعلى إلا جزء من سيرته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟, وهل سيرته إلا جزء من سنته عليه الصلاة والسلام؟, وهل الصلاة عليه وسماع سيرته ومدحه إلا من محبته والايمان به صلى الله تعالى عليه وسلم؟؛ نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان.

 

عداد الزوار